أثر "بِيجماليون" في التحصيل الدراسي للطفل
أ.د. لطيفة حسين الكندري
خبيرة تربوية لدى برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
نشر هذا المقال في مجلة المعلم، السبت 28 إبريل 2012م ، العدد 1641
مقدمة المقال
أثر بيجماليون في التربية
يشير قاموس
دار العلم-غرينوود للمصطلحات التربوية إلى
تأثير بيغماليون الذي يعني الارتباط القوي بين التوقعات والنتائج؛ وعلى وجه
الخصوص تأثير تأثير توقعات المعلم في انجاز التلاميذ (ص 487).
بيجامليون باختصار نحات أسطوري إغريقي فاقت شهرته الآفاق، نحت تمثالا لامرأة فائقة الجمال تدعى غالاتيا، فوجد نفسه أمام آية فنية رائعة الجمال، فصعق بجمالها ووقع في في حبها، ولما أضناه الحب ونال منه جنون العشق، أشفقت عليه إفروديت Aphrodite إلهة الحب والجمال فوهبت محبوبته الحجرية نسغ الحياة، ليتزوجها وينهل من حبها إلى الأبد. وقد ا أثارت هذه الفكرة الأسطورية اهتمام المفكر وعالم الاجتماع المعروف روبيرت ميلتون Robert Meltonالذي أطلق على هذه الظاهرة النبؤة المتحققة ذاتيا واستحضر حدثا واقعيا يتعلق بإفلاس أحد البنوك في عام 1932 على اثر إشاعة مغرضة ليس لها أساس من الصحة (وطفة، 2012م، باختصار). وجاء الأدباء وفحول الفلاسفة وتنالوا القصة الخرافية بطرق جديدة.
وفي هذا السياق قام جورج برنارد شو (George Bernard Shaw) بكتابة مسرحية رائعة توضح فحوى هذا المصطلح وفلسفته التربوية وقريب من ذلك فعل الكاتب الشهير توفيق الحكيم. تقول لمى الغلاييني (2007م) "استعار العالمان التربويان روزنثال وجاكوبسن Rosental وJackobsen شهرة هذا المصطلح وفلسفة معناه في تسمية نظريتهما التربوية المعروفة إلى الآن في مجال التعليم وعلم النفس التربوي بـ "تأثير بيجماليون". نجح العالمان في توظيف هذا المصطلح ضمن أدبيات التربية الحديثة. قصد العالمان أن هناك تقدم غير متوقع لأداء أحد الطلبة متأثرا بالتوقعات الإيجابية الموجهة له من أحد أساتذته. قام الباحثان في عام 1968 باختيار مدرسة من مدارس الطبقة المتوسطة الابتدائية لتطبيق اختبار ذكاء مقنن على جميع طلبتها في نهاية العام الدراسي، وقبيل بداية السنة الدراسية التالية تم تحديد 20% من طلبة المدرسة على نحو عشوائي، وتم الإعلان عنهم بأنهم لدى مدرسيهم ذوو إمكانات عقلية عالية. الحقيقة أنهم لا يختلفون عن الطلبة الآخرين في المدرسة، ، ولا يوجد أي سبب يدعو إلى الاعتقاد أنهم سيحققون مكاسب عقلية أكبر من أترابهم. وتم إخبار مدرسيهم بأن هؤلاء الطلبة يتوقع منهم التفوق المفاجئ الأكاديمي, أي أن هناك بوادر كبيرة جدا بأن يظهروا تقدما كبيرا جدا في قدراتهم العقلية ونتائجهم الدراسية. ولقد طلبوا منهم ألا يخبروا هؤلاء الطلبة أو بقيتهم بأي شيء عن هذا الاختلاف حماية للتجربة ولضمان الحيادية. بعد تلك الترتيبات قام الباحثان بتطبيق اختبار ذكاء مقنن على جميع الطلبة في منتصف العام الأكاديمي وفي نهايته، ولقد بينت النتائج البحثية أن هؤلاء الطلبة الذين اعتقد مدرسوهم بإمكانية تفوقهم أظهروا حقيقة وبالأرقام نتائج درجات أعلى من الطلبة الآخرين، وحين طلب من معلميهم أن يصفوهم فقد ذكروا أنهم أكثر حبا للاستطلاع واهتماما بالدرس، وأفضل توافقا مع زملائهم، وأكثر إصرارا وقدرة على التحمل، ولذلك يحتمل أن ينجحوا في حياتهم المقبلة بدرجة أكبر من قرنائهم" (بتصرف).
"لقد بينت أعمال روزنتال وجاكوبسون بأن التوقعات التي يرسمها المعلمون حول المسار الدراسي للتلاميذ مؤثرة جدا، وغالبا ما تُتَرْجم هذه التوقعات إلى واقع مدرسي. ومن الواضح أن تأثير بيغامليون يشكل إطارا منهجيا لتحليل وتفسير الجوانب المختلفة للحياة التربوية التي تتعلق بالتحصيل المدرسي للتلميذ. فالتقييم المدرسي الذي يجريه المعلم وتوقعاته حول مستوى التلميذ يلعب دورا كبيرا في عملية توجيه المسار المدرسي للطفل. ويجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن تأثير بيغامليون يبقى نتاجا لفكرة أسطورية في الأصل والجوهر، وهي فكرة يمكن اعتمادها في تفسير وتطوير الفعاليات المدرسية المتعلقة بعملية التنبؤ والتوقع والتطوير في مجال التحصيل المدرسي" (وطفة، 2012م).
ومن هنا فإن التوقعات المتدنية لمستوى الطفل من شأنها التأثير على الأداء التحصيلي للطفل ومن هنا فإن توعية المعلم بخطورة ذلك من الأهمية مكان.بناء على معطيات أصول التربية تستطيع المدرسة أن تسهم في تحسين تحصيل الطلبة بعدة طرق بناء على معادلة بيجماليون في التحصيل المدرسي. يقول المفكر التربوي علي أسعد وطفة (2011م) "تعطي هذه المعادلة أهمية كبيرة لتأثير التوقعات التي تتعلق بالمستقبل التربوي للتلاميذ في مستوى تحصيلهم. ووفقا لهذه الرؤية فإن التوقعات المدرسية تتحول إلى حقائق تفرض نفسها في مسار الحياة المدرسية للطالب لا سيما في مستوى تحصيله ونجاحه المدرسين". ويضيف وطفة "لإحكام المعلم ونواهيه حول المتعلم تمتلك قدرة سحرية مؤثرة في شخصية التلميذ وقد تدفعه إلى تحقيق النجاح المظفر أو الاخفاق المؤساوي إذا كانت مجحفة وقاسية. وما تأثير بيجماليون إلا صورة لهذه العلاقة التربوية المتشبعة بالأحكام التي يطلقها المعلم على تلامذته وطلابه في داخل الفصل وخارجه" (ص 486).
وتتمثل الدلالة التربوية لمعادلة بيغاميليون Pygmalion في تحقيق نتائج تربوية تستند إلى مجرد توقعات وتكهنات تتعلق بالمستقبل التربوي للتلاميذ حيث يتحول الافتراض إلى حقيقة تفرض نفسها في مجال الواقع التربوي. فالإنسان يحاول دائما أن يتجلى على منوال الصورة التي يرسمها الآخرون حوله، وتصورات الآخرين قد تفعل فعلها المكين في نفوسنا وعقولنا، فآراء الآخرين حولنا يمكن أن تدمي قلوبنا ويمكن أن تحيينا (وطفة، 2012م). ويعتقد علماء الاجتماع أن نظرية بيجماليون (Pygmalion theory) ذات استخدامات عديدة في مجال القيادة والإدارة (p.380, 381Darity,) فمدير المدرسة عليه أن يضع توقعات ايجابية لمساعديه مما يساعد في جودة الادارة المدرسية على نحو يتيح للطفل فرصة أكبر للنمو .
مسرحية بيجماليون لجورج برناردشو
خاتمة المقال
وفي ضوء كل ما سبق "يرى الباحثون أن التوقعات الكبيرة
والتقديرات العالية للتلاميذ تشكل عنصرا أساسيا في المكونات الضرورية لتحقيق نجاح
أكبر في المدرسة. وهذا العامل يجب أن يتضافر مع عوامل أخرى مثل العناية الإدارية،
والمناخ المدرسي المنظم الآمن، والتقويم المستمر لمستوى الطالب. وهذا العوامل يجب
أن تتكامل أيضا مع عوامل أسرية منها ما يتصل بأوضاع التلميذ في المنزل ومواظبته
على الدراسة وحصوله على الدعم الأبوي والعائلي حيث يجب على الأبوين أن يسمحا للطفل
بالمشاركة في النشاطات الخارجية ولاسيما التلاميذ الذين يحتاجون إلى دروس تقوية
تهدف إلى رفع سويتهم العلمية" (وطفة، 2012م).
تناول هذا المقال أثر توقعات المعلم على تحصيل الطفل كشف عن خطورة تكوين نظرة سلبية مسبقة عن الطفل فهو مخلوق خلق في أحسن تقويم ويستحق منا أعظم تقدير وأتم رعاية. وعليه فإن التحيز ضد الطفل بسبب طبقته الاجتماعية أو مذهبه الديني طامة في حق مهنة ورسالة التعليم. إن طهارة القلب تستوجب حب الجميع وتوقع الخير العميم منهم وتوفير البيئة التعليمية المحفزة لاكتساب المعرفة والعلم. من مقتضيات مهنة المعلم أن لا يلتفت إلى التحيز أبدا فالمساواة أساس رسالتنا والناس في التعلم سواء كما ورد في تراثنا التربوي الإسلامي وسار على ذلك النهج فضلاء الأمة. ونختم بعبارة للفيلسوف جورج برنارد شو الذي ألهم التربويين بفكرة "أثر بيجماليون" حيث يقول "ليست الفضيلة في أن نجتنب الرذيلة، بل في أن لا نشتهيها".
مراجع المقال
- زيدان، سميرة
حسن محمد (1406هـ). بيجماليون عند كل من برنارد شو وتوفيق الحكيم. السعودية: جامعة أم القرى.
- شو، جورج برنارد (1993م). بجماليون. في: مختارات من
المسرحيات العالمية. صالح الباوي.
- عبدالنور، جبور (2009م). المعجم الأدبي. بيروت : دار
العلم للملايين.
- الغلاييني، لمى (2007م). في انتظار قدوم بيجماليون. جريدة الاقتصادية - المرأة العاملة - السبت, 1 ذو القعدة 1428 هـ الموافق 10/11/2007 م - العدد 5143.
- الكندري، لطيفة (1433هـ-2012م).
أثر بيجماليون في التحصيل الدراسي للطفل. في مجلة المعلم،
السبت 28 إبريل 2012م ، العدد 1641. الكويت: جمعية المعلمين الكويتية.
- كولينز، جون ، و أبراين،
نانسي باتريسيا (2008م). قاموس دار العلم-غرينوود للمصطلحات التربوية.
ترجمة حنان كسروان. مراجعة الترجمة هالة سنو. ط1، بيروت: دار العلم للملايين.
- هيسكيث
فيليب ٢٠١٠م الحياة لعبة ضاعففرص الفوز بها. ط١ الرياض مكتبة جرير (بيجماليون، ص
١١٠).
-
وطفة، علي أسعد (2012م).الأسطورة في التربية
المدرسيةبيغامليونأنموذجا. موقع حركة مصر
المدنية (civicegypt.org).
-
وطفة، علي أسعد (2011م). أصول التربية إضاءات نقدية معاصرة. ط1، جامعة
الكويت، مجلس النشر العلمي. لجنة التأليف والتعريب والنشر.
-اليونسكو (2009م). الفلسفة مدرسة للحرية: تعليم الفلسفة وتعلم التفلسف: وصف الحالة
الراهنة واستشراف المستقبل. منشورات اليونسكو.
-Pygmalion. (2011). Encyclopædia Britannica. Encyclopædia
Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia
Britannica.
-"Pygmalion." Microsoft®
Encarta® 2009 [DVD]. Redmond, WA: Microsoft Corporation, 2008.
-Shaw, G, B (2003). Pygmalion. Penguin.
-Campbell. B & Campbell. B (1999). Multiple Intelligences.
& Student Achievement: Success Stories From Six Schools. VA: Association
for Supervision and Curriculum Development.
-Darity,William A (2008). International encyclopedia of the social sciences.
2nd ed. Detroit : Macmillan Reference USA.
تعليقات
إرسال تعليق